تربية الأذن
تؤسس الكلمات العفوية و المحادثات
القصيرة بيننا و بين أطفالنا هيكل التربية. و ليس ما يتبادر إلى الذهن الحريص
للكبار المُنَظِّرين، من أن الصرامة أو الصراخ أو العقاب أو الزمجرة أو كل هذا و
غيره من هذيان نحسبه علاجا، و هو في الحقيقة مكمن الداء.
صباحَ هذا اليوم، أنعش طفلٌ صمتَ
المترقبين على باب طبيب. يصحبه اثنان، امرأة و رجل. استغرب الصغير من انطفاء ضوء
الدرج التلقائي و لما رأى أحدَنا يعيده إلى وهجه أشعَّت عيناه فهماً فنشاطاً فرغبة
بتنوير من أحاطوه، أحاطوه بتعبهم.
لكن ، و ككل مرة يُظهر أطفالُنا إقدامَهم على التعلم و الاستكشاف بحيوية،
نُخْرِجُ نحن الكبار سوطَ التهديد الكاذب لنعيق تطورهم و لنفتح الباب لعدوى خبيثة
تنقل إليهم منا قبيح الصفات.
منعه المسؤول قائلا: " إيلا
شعلتي الضو عاوتاني غادي ندخلك عند الطبيب يضربلك الشوكه". لعله حفيدُه فالمدى
بين عينيهما يتسع ﻷجيال. المسكين قاوم هذا التسلط بابتسامة خافتة. إلا أنه انتقم
بعدها من جده حين دخلنا إلى عيادة الطبيب لكن بتهديد طفولي صادق و راق: "
إيلا ما سكتيش غادي نهرّك"
بين القسوة المتجاهلة و النصح الخفيف
فرق طفيف و خيط رهيف. فحين نبدأ مخاطبة الطفل بالصراخ و الكذب فنحن لا نفرق بين
لطافة الطفل اليانعة و السخط في نبرتنا المفزعة. و نُفَوِّتُ على الطفل حاضر
الاستمتاع و مستقبل الاستنصاح، فسيجد تلكُّؤًا في القرب من الكبار ﻷي متعة يجدها
أو خوف ينتابه.
التربية عملية طويلة أكثر تجلياتها
بسيط و بديهي و تلقائي، و الطفل فيها طرف خلاق و مشارك أساسي. و بهذا، المربي مُلزَمٌ
بالصدق أولا و الرفق ثانيا، فهو أصل. فكيف يسقي النبع المحتاج و ماؤه أجاج؟
#تربية_النمو
النمو تغير مستمر عبر الزمن، و على
هذا المنوال على التربية أن تكون جهدا و تفكيرا باستمرار عبر مراحل النمو.
الثقة في الزمن تمنح المربي زمنا
إضافيا يرتب فيه أمانيه في نفع المُربَّى: أن نعلم علم الرشد أن التربية تنفذ إلى
القلب و ترسخ في العقل عندما تناسب حالةَ المربى و تتناسب مع سياقاته المحيطة به.
التربية كما هي معاجلة للعلاج، فهي
أيضا تريّث لتحيّن مواسم الزرع الفضلى و صبر لرؤية
الثمار مع إيمان خفي بأنها لا محالة آتية.
كثيرةٌ هي مناسباتُ تشذيب النمو، فمع
حيوية الطفولة و تأجج المراهقين، على الراشدين أن يفرقوا بين طبائع أطفالهم و
تلاميذهم من جهة و بين محاولاتهم البسيطة و العفوية للنمو من جهة أخرى.
المربي في أول أخطائه الساذجة يرغب
أن يكون من هو تحتَ يدِه أو لسانِه مثلَهُ، فيغفل عن الاختلاف سُنّةً كونية بين
المخلوقات، و يتشدد في تنزيل تجاربه على غيره رغم تباعد المواصفات بل و استحالة
تطابقها.
ما يمكن أن يمنح المربي سبق النصح هو
سِنّه و ما راكمه من تجارب، فليست قرابته و لا مرتبته الاجتماعية ضامنين أبديّين
لقوامته التربوية. لا يمكن للمنغمس في نشاطه أو اشتياطه أو شتاته أن ينتبه لك إن
لم يكن مضمون كلامك أقوى من غضبه و أخف من حركيَّته و أصفى لحيرته.
ما دام النمو تدريجيا إلا وجب على
التربية أن تكون مستمرة بتركيز و نفاذٍ إلى اهتمام المقصودين بها.
النمو يستلم الروح في أول أنفاسها
فلا يفارقها، و التربية هي ضابطة النمو و موجهته، فلا يصل المربي إلى سلامة
التربية لغيره حتى تسلم تربيته من سوئه هو أولا.
أن يضع بين
عينيه أنه يلزمه هو أيضا أن يلازم التربية والتطور،
و أن لا يظن أن مقامه فيها تغير،
فكلنا
تلاميذ الحياة.
فايسبوك:
|
بقلم
: خالد الخطروني |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق