مدونة أدبية تعنى بكتابة مقالات و خواطر و أشعار بمختلف اللغات. صياغة الأحاسيس و الأفكار بجمال هو الدافع الأول لمشاركتكم كتاباتي و مساهمات من يرغب في عرض خطه. مرحبا بكم

سيل المداد

الأربعاء، 25 أغسطس 2021

ساحر الطاقة


 

قصة قصيرة عن العالم المغربي الدكتور رشيد اليزمي  Rachid Yazami   كتبتها عرفاناً و تقديراً لمسيرته العلمية و الإبداعية ❤️

 

تحت عنوان.         " ساحِرُ الطاقة "

 

ساحاتُ لَعِبه مُتلوِّنة، مُتشَكِّلة، و مُتناثِرة في فضاءات لْمدينة.

عيناه تَسرحُ في هندسة الجمال فهو طفل وُلد فِردوسيَّ التنشئة لأنه فاسيُّ المولد و الحضانة.

 

رشيد يَنْهَلُ من صنائع فاس في كل لَمحة. يستقبله جبس الأسقف بِتناسُق فراغاته مع بروزه. لِنفس الهندسة، يتطاوع الخشب فيتطاير فاسِحاً المجال للمزيد من الجمال. ثم يزيد النحاس من قناعته بأن المواد تلين لِرؤية الصانع التقليدي و بأن سُلطة الخَطِّ الرَّاسم العازمِ مُتوَّجَةٌ خالدةٌ لا محال.

 

تغرب شمس السماء فيخلد رشيد إلى ألف فضاء و فضاء، يقرأ. يقرأ عن بساطٍ يطير حاملاً من يتلو عليه الكلمات المناسبة. يقرأ في قصة يختفي فيها صاحب طاقية عن الأنظار. يُطالع كيف يتميز هؤلاء الأبطال بخيال الأدباء ثم ينسج هو من خيوط أفكاره شجاعةً حالمة يتمنى بها أن يصير هو أيضا بطلا.

 

العجائب في عينه ممكنة، فهو يؤمن بقدرة الإنسان على الإبداع بالاختراع. كيف لا و هو يَحضُر لِجدّه كيف يُحضِّر فسيفساء الأوان و هي تنسكب في قوالب الزليج. من أحجار تنطحن ثم يسيل غبارها في استعداد ليِّنٍ ليندرج في إطارات البناء.

 

عينه ترى ما وراء الأشياء، من أين أتت و إلى أين ستذهب و في أي هندسة ستُشارك.

 

يتجول في لمدينة مُنتقلا بين دروب الفن العامل. السبل تكتسيها في كل مدخل رائحة تطور المواد من الخام إلى أنواع التمام. الدباغين و الصفارين و العطارين و النجارين... أُمَمٌ يشهد حشْرَ العمل لها في دكاكين معتقة بِعبق تتعانق فيه خلاصات الأرض بدقات الزمن.

 

تُغمَر عيونه عندما يطأ دار الدباغة ليزور عمَّه. تلك الأحواض المتراصة في نظره خليَّةُ نحْلٍ و عمل. غرق الجلود فيها حياة جديدة و بعث في لون جديد. كلما ثبت اللون انسحبت الرائحة. أحَبَّ في الجلد طواعيّته لرغبات الصانع و صبره على حاجات المستعمل.

 

" القرويون " جامِعُ قلوب أهل فاس و المغرب. في حلقاته و من منابره تنفتح العقول على جديد الأسئلة. يأتيها بِهمّة و إقبال فهي مدرسة الحياة حيث الجميع جامعيُّون بمجالستهم للعلماء.

حينما اعتلى سطح أحد منازل الطالعة، نظر إلى جامع القرويين نظرة جديدة. رآه عقلاً يُغذي أوردةَ لمدينة و هو يتوسّطها و يعتليها بِقيمه الاجتماعية و الدينية و التاريخية...

 

مقادير القصص الخيالية يجدها أمامه مُعلّقةً في حوانيت العطارين. روائح الأعشاب العطرية تحوم حول جمادات الزواحف و أجزاء حيوانات موسومة بِميزة أو أكثر. عجائب الشفاء و غرائب الأمراض يتلقاها سمعاً و مروراً من روّاد هذه الدكاكين. و حين يعود لقصصه الصفراء يجد أدلّةً      -من إتقانِ حبكتها- تزيد من إيمانه بالسحر و عالم الخوارق. لكنه عندما يغلق الدّفّتين يلج عالمه الخاص و هو فيه البطل الخارق الذي يصنع أسلحته و آلاته بِيديه الحالمتيْن. قد شجَّعتْه مخالطته للمواد و الصُنّاع و أغرتْهُ حبكة القصص لكي يتخيل أنه ينسج مثل بساط علاء الدين الطائر أو يبتكر طاقية الإخفاء، بِسحره الخاص.

 

تغيّرت تركيبةُ تفكيره عندما تعرف على الكيمياء. أصبح يتحكم في التغيرات و يتوقعها. فقد أراه أستاذ الثانوية تعاويذ علمية ثابتة. صارت أقسام المواد و تعريفات التغيرات وقودَهُ و هو يحوم ضواحي لمدينة بحثاً عن الأحجار و المعادن بألوانها و طبقاتها.

كأنّه يعود في خرجاته الاستكشافية إلى ما قبل إتقان الانسان للتعاطي مع عطايا الطبيعة. يهيم مسترشداً بنجوم الأرض. النقط المنثورة هي دليله المفتوح يتعرف بها على خصائص الطبقات و يقرأ في ألوانها تاريخ التغيرات. يَصُّفُّها في كتاب ثلاثي الأبعاد يتضمن: المادة و الوصف و العلم. ثم يحملها إلى أستاذه فيُفسِّر له كيف تكوَّنت و اختلفت.

 

وجد في معلمه أكثر من مجرد مُلقِّن. ففي تردده بين الأرض و القسم، يرشده إلى أسرار الجيولوجيا فيمضي واثق الخطى واثِب النهى إلى المزيد. أجازه أستاذه إلى المستقبل بِتشجيعٍ أفرح رشيد. رآه أستاذه سابحاً في ملكوت الإدراك، باحثاً في تفاصيل المواد و ساحراً في تركيب التفاعلات، فأنبأه بإعجاب و تَوَسُّمٍ:

" ستكون عالِماً ".

 

ها هو يخلط غبار الزنك و حمض الكلوريدريك، يجمع بين صلب و سائل لِيُخَفِّف وزن الهواء. يستعمل خلطته فتتزيّن سماء غرفته بالبالونات. مُمَدّداً يتابعها بعينيه اللامعتين و كأنّه ساحر يجعل ما يسقط طائراً. من دروب لمدينة أطلق بالونات أخرى لترتفع عالياً فاندهش بها ساكنتها. أصبح ينافس السحر التقليديّ و الأدب الخيالي بتجاربه الناجحة.

 

هاجر إلى فرنسا ليمضيَ أبعد في دراسته. و حينما خَيّروه بين التخصصات استحضر نبوءة أستاذه و اختار الكيمياء رغم أنها شعبة أقل ترتيباً في سلّم النجاح المالي و الإقبال العلمي. لم يهتم بإغراءات نجاح اختصاصات أخرى في ساحة الجامعات و الشركات، لأنه استحضر في مقام الاختيار من شجعه و استشرف فيه ملامح الشغف بالعلم.

 

وجد في فضاءات الكيمياء أفقا متجددا و سحراً خاصا يجمع بين غِنى الأرض و هندسة التخطيط لتحضير أنسب المقادير من أجل الوصول إلى الجديد المفيد. كان يحاول مجتهداً أن يصل لِخلق أداته الخاصة التي لم يسبقه لها أحد و التي يستفيد منها الكل.

الآن هو عالم مخترع. يحاول كثيراً و يجتهد. تتراكم في خزينته التجارب و التطويرات فهي التي يؤمن بأنها – في لحظة ما – ستستدعي اللمسة الأخيرة التي تهب الحياة و الطاقة لما عمِل عليه لسنوات.

 

و حانت تلك اللحظة المميزة. استطاع أن يجمع بين معدنيْن ليتوالفا على احتضان الطاقة لوقت أطول و على بثِها بجهد أقوى.

القطب السالب هو عصا اليزمي السحرية العلمية.

زاوج فيها بين الغرافيت و الليثيوم لكي تبعث الطاقة و تطيل حيويتها. صارت بها لمسة عالِمِنا حاضرةً في ملايير الأجهزة حول عالَمنا. يمنح قطبه طاقةً تنير الجميع في ما يطلبون. هذه النجوم الأرضية تربط الناس في هندسةٍ متصلة. عصا رشيد فريدة حقاً.

بريق عينيه اتّقد عندما شَهِد انقلاب لون عصا الغرافيت من الرمادي إلى الذّهبي: " لقد حوَّلْتُ الغرافيت إلى ذهب.." هنا وصل العالِمُ في رشيد إلى قناعة أنه حدثٌ مفصليّ في تاريخ البطاريات حيث بالإمكان الآن تخزين الليثيوم في الغرافيت و بأمان. و هنا أيضا وصل الطفلُ في رشيد جهودَهُ بأمانيّ طفولته. لقد نجح أن يكتسب قدرةً في تأثيرها السحرُ الشاملُ النافع. تجاوز بنجاح عفوية أفكاره الطفولية الحالمة في أن يخترع شيءً فرديّاً عجيباً؛ بل أهدى للبشر طاقة غيّرت حياتهم إلى الأبد.

 

العرفان هو أول ما ندينُ له به. ثم بدرجةٍ أهمّ، ف قرارة نفسه يرغب في أن يصبح بلده المغرب قطباً طاقيّاً عالميا بأن يكون سيِّداً و منتجا و مُصدِّراً للطاقة، بما يتوفّر عليه من كنوز الأرض و جواهر أبنائه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot