تربية العين: الإستباقية
أصعب تحد للمربي هو اتساع نظر المربى. أصبحت العين عرضة
لتهافت شركات و شبكات و مخططات تستخدم آخر و أسرع الوسائل لبلوغ عقولهم قبل أن
تبلغ بصائرهم.
اعتبرها مثل أنهار تجرف أي شيء في
طريقها نحو المتلقي، الهدف الأول من كلامي أن يوضع المربي في الصورة قبل أن يتجرأ
و يرسم لغيره سبلا ليصلح سعيه .
تحليل مضمون المرئيات يتطلب مؤسسات تجمع بين التقنية و
التربية لنستطيع تفكيك الشفرات الموجهة نحو الأطفال و الشباب. قطاع مهم من المواد المرئية يضغط على الرغبات الشرائية،
و آخر لا يقل أهمية يأتي عبارة عن أنماط حياة تختلف عن النمط المعاش محليا، و تخلق
لدى المتلقي تساؤلات، تخلق تعارضا يجعله يصدر أحكاما على واقعه الذي يظهر له أقل
قيمة، و أيضا على واقع بعيد عن متناوله يرسم له بريشة احترافية.
المهمة معقدة، و أول خطوة هي استشعار حجم تعقدها و دقة
تشعباتها، و من ثم (كثاني خطوة) أن يتموقع المربي وسط هذه السيول الجارفة، و يقف
على صخرة الحق، و يتكلم بصوت الحكمة، لأنه هو أيضا مطالب بمجاراة العصر و تقلباته.
استفادة الأبناء من الآباء تنحصر في المواقف الهادئة و
الإيجابية، أما مواقف الصراع و نقاش المشاكل بعصبية و تحد فالواجب المتحتم على
الآباء أن يتجنبوها في خطابهم و حتى أن يعزلوا أعين و آذان أبنائهم عن هذه المواقف، فيحسن بهم
أن يتفقوا على إيقاف صراعاتهم إذا ما وصل صداها أو صورها لهم. و إذا ما استمر أحد
الزوجين بتجاهل الأبناء فعلى الطرف الآخر أن لا يشارك في هذا الاستعراض و يقطع
تنامي الغضب بصمته و حسن سمته.
لا تفتر العيون في زمن التقنية و الصورة عن الاستقبال،
لذلك كان لزاما على تربية العين أن تكون واسعة الرؤية، واسعة الرؤية مثل قدرة العينين على
تلقي الصور و انعكاسات الضوء من شتى الجوانب.
أن تكون للمربي
قدرة على تسجيل و تقبل هذا التنوع و الإختلاف في مدخلات و مخرجات التربية، فيكون
على علم بأن الأسباب عادة لا يمكن اختصارها في واحد أو إثنين، بل هي متعددة، و لذا
عليه أن يراها و يعرفها، و يترقب تأثيرها و لو بعد حين.
هذا
الترقب يمكن المربي من تحليل تأثير ما يشاهد على المربى، إذ أن الرؤية الشاملة
للمواد المعروضة تجعل من ربط الظواهر التربوية بمصادرها أسهل، و بالتالي تمنح
المربي سرعة و نجاعة في التغيير و المصاحبة.
من أهم
مواصفات تربية العين: " الإستباقية
". منذ المراحل الأولى للطفل، تتشكل ميوله تبعا لمحيطه و ما تعرّض له عبر
الأيام. و من الفادح تمكين "العين الطفلة" من مواد مرئية لا تخضع لأي
انتقاد أو فحص. و كما نشاهد حاليا فإن الكثير من أولياء الأمور لا يراعون صفات و
مقومات أطفالهم أثناء منحهم هاتفا أو لوحة أو غيرها لتمضية الوقت، بل منهم من هدفه
الأول و الأوحد إسكات الطفل بأي طريقة كانت، من خلال إعطاء الأطفال أجهزة تبهرهم بصورها المتسارعة، و من سخرية
الأمر أن الكثير من الأطفال حاليا يتأخرون عن النطق و يرتبك نموهم. فكما نرجو أن
يكون المربي استباقيا في تربيته، عليه أن لا يعرض للعين الصغيرة ما يشتت تدرجها
الطبيعي، و هذه مرحلة قبل مراحل موالية تأتي بحسب تطور الطفل العمري.
مما لا ينتبه له الآباء و الأولياء هو التحديد العمري
لمشاهدة البرامج، الرسوم المتحركة بصفتها المادة الأكثر رواجا بين الأطفال، عليها
أن تنتظم في ترتيب ملائم للفئات العمرية للطفل، و هذا معمول به عند المنتجين، إلا
أنه يغيب عن مؤسسات العرض و يغيب أكثر عن تصفية المربين الذين لا يفرقون بين
مستويات برامج الأطفال من حيث عرض العنف، نوعية الدراما، و اللغة و غيرها من معايير التصنيف.
الإستباقية هي تحضير ذهني و تجهيزي للطفل و تهييء للوسط
الصغير للصغار، بها نسمح للعين أن ترى ما تقدر على استيعابه أولا و ما تستطيع أن تصله و
تتعرف عليه حسيا و حركيا (الطفولة المبكرة)، ثم ثانيا أن تجد في ما يعرض أمامها
مشاهد بسيطة، بطيئة البناء، و غير متضمنة للعنف و الحركية المفرطة التي نشاهدها في
الرسوم المتحركة التي تتبنى مفهوم (البطل الخارق) كأساس لها.
العين لماحة: العين المراقبة يجب أن تكون كذلك لماحة
للإشارات و لتطور الممارسات قبل أن تتدخل. مثلا في الحديث عن أضرار ألعاب الفيديو، على الموجه أن
تكون له دراية مبدئية بتأثيراتها و جوانب قوتها لكي لا يفاجأ بأسئلة تقنية لا
يمتلك لها مفاتيحها التقنية، المتلقي يمتلك طرقا لا حصر لها و لا سلطة تقيدها
ليلعب شتى أنواع الألعاب، و هو حقه مبدئيا، لكنه سينصت لك أكثر إذا ما وجدك مواكبا
(ولو نسبيا) للمجال الذي أنت ناقده. هذا الاطلاع مهم للمربين فبه يتقربون من عالم
الأطفال و المراهقين و هو الشيء الذي يجعل مراقبتهم واعية و مراعية للمواصفات
التقنية و بالتالي سيحمل كلامه
إشارات يتلقاها المستمع بانتباه، لكيلا يصطدم الصغار بخطاب غريب عن السياقات التي
يعيشون فيها. من الواجب على المسؤولين عن التربية أن :
-
يشغلوا العين بمشاهدة النافع بدل أن نملأ آذانهم
بالأوامر و التفاهة و عرض عيوب الآخرين بشتى أنواع الذم و السب.
-
يختاروا بدقة نوعية القنوات و البرامج و الألعاب لكي
يستفيد منها الأطفال و لكيلا تكون بابا لتخريب أخلاقهم و عاداتهم الصحية.
-
أن يتفقوا على إظهار السلوكات السليمة فقط أمام أبنائهم
و تلاميذهم.
إذن فهي موازنة بين تصفية المرئيات و ترشيد العروض
المرئية و الأهم العيش في وسط أسري و مدرسي خالي من العنف و البذاءة و السلبية. لعيونهم حقوق علينا أن نكفيهم رؤية السيء و العنيف و
الجارح من الأفعال، أن نمنحهم مقتطفات جميلة، و لو كان الواقع معقدا و المحيط سيء.
فايسبوك: |
بقلم : خالد الخطروني
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق