مدونة أدبية تعنى بكتابة مقالات و خواطر و أشعار بمختلف اللغات. صياغة الأحاسيس و الأفكار بجمال هو الدافع الأول لمشاركتكم كتاباتي و مساهمات من يرغب في عرض خطه. مرحبا بكم

سيل المداد

الخميس، 9 أبريل 2020

تربية العين : الاستباقية



تربية العين: الإستباقية

أصعب تحد للمربي هو اتساع نظر المربى. أصبحت العين عرضة لتهافت شركات و شبكات و مخططات تستخدم آخر و أسرع الوسائل لبلوغ عقولهم قبل أن تبلغ بصائرهم. اعتبرها مثل أنهار تجرف أي شيء في طريقها نحو المتلقي، الهدف الأول من كلامي أن يوضع المربي في الصورة قبل أن يتجرأ و يرسم لغيره سبلا ليصلح سعيه .

 

تحليل مضمون المرئيات يتطلب مؤسسات تجمع بين التقنية و التربية لنستطيع تفكيك الشفرات الموجهة نحو الأطفال و الشباب. قطاع مهم من المواد المرئية يضغط على الرغبات الشرائية، و آخر لا يقل أهمية يأتي عبارة عن أنماط حياة تختلف عن النمط المعاش محليا، و تخلق لدى المتلقي تساؤلات، تخلق تعارضا يجعله يصدر أحكاما على واقعه الذي يظهر له أقل قيمة، و أيضا على واقع بعيد عن متناوله يرسم له بريشة احترافية.

 

المهمة معقدة، و أول خطوة هي استشعار حجم تعقدها و دقة تشعباتها، و من ثم (كثاني خطوة) أن يتموقع المربي وسط هذه السيول الجارفة، و يقف على صخرة الحق، و يتكلم بصوت الحكمة، لأنه هو أيضا مطالب بمجاراة العصر و تقلباته.

 

استفادة الأبناء من الآباء تنحصر في المواقف الهادئة و الإيجابية، أما مواقف الصراع و نقاش المشاكل بعصبية و تحد فالواجب المتحتم على الآباء أن يتجنبوها في خطابهم و حتى أن يعزلوا أعين و آذان أبنائهم عن هذه المواقف، فيحسن بهم أن يتفقوا على إيقاف صراعاتهم إذا ما وصل صداها أو صورها لهم. و إذا ما استمر أحد الزوجين بتجاهل الأبناء فعلى الطرف الآخر أن لا يشارك في هذا الاستعراض و يقطع تنامي الغضب بصمته و حسن سمته.

 

لا تفتر العيون في زمن التقنية و الصورة عن الاستقبال، لذلك كان لزاما على تربية العين أن تكون واسعة الرؤية، واسعة الرؤية مثل قدرة العينين على تلقي الصور و انعكاسات الضوء من شتى الجوانب.


أن تكون للمربي قدرة على تسجيل و تقبل هذا التنوع و الإختلاف في مدخلات و مخرجات التربية، فيكون على علم بأن الأسباب عادة لا يمكن اختصارها في واحد أو إثنين، بل هي متعددة، و لذا عليه أن يراها و يعرفها، و يترقب تأثيرها و لو بعد حين.


هذا الترقب يمكن المربي من تحليل تأثير ما يشاهد على المربى، إذ أن الرؤية الشاملة للمواد المعروضة تجعل من ربط الظواهر التربوية بمصادرها أسهل، و بالتالي تمنح المربي سرعة و نجاعة في التغيير و المصاحبة.


من أهم مواصفات تربية العين: " الإستباقية ". منذ المراحل الأولى للطفل، تتشكل ميوله تبعا لمحيطه و ما تعرّض له عبر الأيام. و من الفادح تمكين "العين الطفلة" من مواد مرئية لا تخضع لأي انتقاد أو فحص. و كما نشاهد حاليا فإن الكثير من أولياء الأمور لا يراعون صفات و مقومات أطفالهم أثناء منحهم هاتفا أو لوحة أو غيرها لتمضية الوقت، بل منهم من هدفه الأول و الأوحد إسكات الطفل بأي طريقة كانت، من خلال إعطاء الأطفال  أجهزة تبهرهم بصورها المتسارعة، و من سخرية الأمر أن الكثير من الأطفال حاليا يتأخرون عن النطق و يرتبك نموهم. فكما نرجو أن يكون المربي استباقيا في تربيته، عليه أن لا يعرض للعين الصغيرة ما يشتت تدرجها الطبيعي، و هذه مرحلة قبل مراحل موالية تأتي بحسب تطور الطفل العمري.


مما لا ينتبه له الآباء و الأولياء هو التحديد العمري لمشاهدة البرامج، الرسوم المتحركة بصفتها المادة الأكثر رواجا بين الأطفال، عليها أن تنتظم في ترتيب ملائم للفئات العمرية للطفل، و هذا معمول به عند المنتجين، إلا أنه يغيب عن مؤسسات العرض و يغيب أكثر عن تصفية المربين الذين لا يفرقون بين مستويات برامج الأطفال من حيث عرض العنف،  نوعية الدراما، و اللغة و غيرها من معايير التصنيف.

 

الإستباقية هي تحضير ذهني و تجهيزي للطفل و تهييء للوسط الصغير للصغار، بها نسمح للعين أن ترى ما تقدر على استيعابه أولا و ما تستطيع أن تصله و تتعرف عليه حسيا و حركيا (الطفولة المبكرة)، ثم ثانيا أن تجد في ما يعرض أمامها مشاهد بسيطة، بطيئة البناء، و غير متضمنة للعنف و الحركية المفرطة التي نشاهدها في الرسوم المتحركة التي تتبنى مفهوم (البطل الخارق) كأساس لها.

 

العين لماحة: العين المراقبة يجب أن تكون كذلك لماحة للإشارات و لتطور الممارسات قبل أن تتدخل. مثلا في الحديث عن أضرار ألعاب الفيديو، على الموجه أن تكون له دراية مبدئية بتأثيراتها و جوانب قوتها لكي لا يفاجأ بأسئلة تقنية لا يمتلك لها مفاتيحها التقنية، المتلقي يمتلك طرقا لا حصر لها و لا سلطة تقيدها ليلعب شتى أنواع الألعاب، و هو حقه مبدئيا، لكنه سينصت لك أكثر إذا ما وجدك مواكبا (ولو نسبيا) للمجال الذي أنت ناقده. هذا الاطلاع مهم للمربين فبه يتقربون من عالم الأطفال و المراهقين و هو الشيء الذي يجعل مراقبتهم واعية و مراعية للمواصفات التقنية و بالتالي سيحمل كلامه إشارات يتلقاها المستمع بانتباه، لكيلا يصطدم الصغار بخطاب غريب عن السياقات التي يعيشون فيها. من الواجب على المسؤولين عن التربية أن :

-        يشغلوا العين بمشاهدة النافع بدل أن نملأ آذانهم بالأوامر و التفاهة و عرض عيوب الآخرين بشتى أنواع الذم و السب.

-        يختاروا بدقة نوعية القنوات و البرامج و الألعاب لكي يستفيد منها الأطفال و لكيلا تكون بابا لتخريب أخلاقهم و عاداتهم الصحية.

-        أن يتفقوا على إظهار السلوكات السليمة فقط أمام أبنائهم و تلاميذهم.

 

إذن فهي موازنة بين تصفية المرئيات و ترشيد العروض المرئية و الأهم العيش في وسط أسري و مدرسي خالي من العنف و البذاءة و السلبية. لعيونهم حقوق علينا أن نكفيهم رؤية السيء و العنيف و الجارح من الأفعال، أن نمنحهم مقتطفات جميلة، و لو كان الواقع معقدا و المحيط سيء.


فايسبوك:

https://www.facebook.com/khalid.elkhatrouni

بقلم : خالد الخطروني

 

khalidkhapro@gmail.com

khapro@hotmail.fr

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot