تربية الثقة
أعطِ الطفل فرصة الثقة!
الأطفال يراقبون من حولهم و يقتدون بمن يعجبهم، فمسألة الاقتداء عندهم لم تصل بعد لمرحلة عقلانية. لا بد أن يتحقق شرط الجمال في تصرفاتنا حتى يُعجَبَ بها الأطفال وحتى الشباب بدرجة شبه متساوية.
الثقة إذا ما اتصف بها الشخص تظهر في أسلوب تعامله مع الوضعيات التي تعترضه فيعيشها بتفاؤل و يتعاطى معها باطمئنان.
الثقة تنبني على معرفة واضحة بالذات و تُترجم وقتَ الاختيار بالثبات.
هل تساءلنا هل يرغب الأطفال بالنجاح؟ هل هم تنافسيون؟ هل يرغبون في التقدم أم هم فقط يلعبون و يضيعون أوقاتهم؟ لأننا غالبا ما نبخسهم مجهوداتهم و نصنفها في خانات المنع.
1- ارتباط الثقة بالمسؤولية
ترتبط الثقة بمفهوم أكبر منها و هو التحلّي بالمسؤولية. الكبار المسؤولون على تربية الصغار يعتبرون أنفسهم قادرين على التكفل بأدوارهم بحكم أنهم الوالدون أو الأساتذة أو فقط لأنهم أكبر سنّا. لكن ما قيمة هذا التفوق إذا كانت التجارب محدودة؟ و ما محدوديته إذا كانت الرعاية غير مواكبة للعصر الجديد الحالي؟
الثقة بالنفس من منظور الطفل ترتبط بعفويته. كلما قلّت الاعتراضات على عفوية الطفل خلال طفولته كلما زادت ثقته بنفسه. طاقتهم و إقبالهم على الحياة تدفعهم لتجريب الأشياء و المغامرات. الجانب الثاني هو مجموع النماذج التي يعايشونها في محيطهم الأسري، المدرسي و الاجتماعي.
هذان العاملان شديدا النسبيّة و التغيّر من طفل لآخر و من وسط لوسط. و هذا ما حملني على تسمية المقال على أنه تربية للثقة. هذه الصفة حساسة و تحتاج لمعاملة مدروسة و مرونة واعية.
1- الانتقال من العفوية إلى المسؤولية
ثقة الأطفال تنتقل بشكل طبيعي من العفوية إلى المسؤولية مع الزمن. لكن دور المربين يتمثّل في تقويتها و الحفاظ على توازن شخصية الأطفال بين الثقة و التواضع.
المسؤولية يجب أن تُبنى شيءً فشيءً، وأن ينمو حجم الثقة مع توالي الأيام و الوضعيات. تلك الوضعيات التي على من عليهم مسؤولية التربية أن ينتبهوا لها في المقام الأول. فهي تحدث على الدوام و عليهم أن يضعوا الطفل على مرتبة واعية بأنه قادر على اجتيازها، و بأنها فرصة ليتطور و ليس فقط لينجح.
من الوضعيات ما يمكن للأولياء أن يخلقوها. و ذلك بأن يختاروا من يوميات أطفالهم ما يثير اهتمامهم. على أن يتم ذلك بعناية من خلال الحرص على أن تكون مناسبة لمستوى الطفل المعرفي و جهوزيته النفسية، و أن تكون سببا و حافزا له ليحشد قدراته و تركيزه قليلا ليستطيع تأدية تلك الطلبات و المهمات.
2- العلم بكفاية القدرات الذاتية
أفضل رؤية هي أن تمكِّنهم من أن يثقوا بقدراتهم و طاقاتهم أولاً
ثم أن يعلموا أنهم يملكون ما يحتاجونه ليتفوّقوا و الشرط الأول أن يحاولوا جاهدين و صادقين. الخطاب المباشر للصغير و الذي يحمل عبارات الثقة في قدراته يجعله ينشط و يتشجع. يمكن أن يتم ذلك عبر تذكيره بما يستطيع فعله أثناء اللعب و التركيز خاصة على أفعاله الايجابية السابقة و تفادي إحباطه بالحديث عن بعض أخطائه.
و يحسن أن يقدِّر الكبير أفعال الصغير من منظور الصغير. الكثير من الكبار ينتقدون تصرفات الأطفال من وجهة نظرهم و من عقليتهم القديمة، و هذا ما يكسر ثقة الطفل في نفسه و في مربيه.
3- الإيجابية في الخطأ
خطأ الطفل هو محاولة في أصلها. ما يجعلها غير مقبولة هو عدم رغبة المربي في البحث عن النقائص و تحديدها. و هذا الرفض لمعرفة أسباب الخطأ هو ما يكسر علاقة الثقة بين المربي و الطفل، لأن الطفل في مرحلة التعلم و الخطأ طبيعي و كثير التكرار.
الثقة تُكتسب بالخطأ! و ليس بالنجاحات
غالباً ما نربط التشجيع بالتفوق و نحصر الاحتفال بالنجاح.. الأطفال في مرحلة العفوية يحتاجون لمن يدعمهم و يفرح لمحاولاتهم، فهم لا يتحملون المسؤولية بمعناها البالغ.
الثقة يجب أن تكون هنا عبارةً عن تقبُّل للخطأ و تقدير للمجهود، بهما يبدأ الطفل في محاولة تحسين أفعاله و أقواله. الثقة تُزرع في نفوس الأطفال حينما يجدون أولاً من يساعدهم في التطور، ثانياً من يشير إلى مواطن الخلل برفق، و ثالثاً بالصبر الجميل الذي يرافق زمن تعلمهم.
و الهدف طويل المدى هو أن يكونوا إيجابيين أمام أخطائهم: لأنها دليل التعلُّم و درجات التطوُّر. فاكتساب الإيجابية تجاه الخطأ هو مصدر للثقة لا ينضب مستقبلا.
4- التقدير و التشجيع:
عندما ينتهي التلميذ من مهمة ما فإنه ينتظرك أن تصف عمله و تُقدِّره هو، لكنك لا يجب أن تتوقف عند قول مختصر مثل "جيد" او "أحسنت"، بل يجب أن تعطيه وصفاً معينا لمضمون ما أنتجه. هكذا سيتعلم مع تراكم تجاربه كيف يلاحظ و يحلل و يعطي رأيه. ليس كافيا أن تومئ له أو تنظر إليه. فالتقييم هو إعطاء قيمة لشيء ما، و به يتأكد المربّى من أن المربي يهتم به و له.
قبل التحدث عن التشجيع علينا أن نبتعد عن الإحباط. الإحباط قد يحمل عدة أشكال: المنع، التضييق، و توقع المستحيل و الكامل. كثير من المربين يستعمل سلطته من خلال المنع و هو يظن أنه نجح في خلق طفل منضبط، بينما هو يقتل فيه عفويته. و منهم من يتعالى عليهم و لا يقترب من مستواهم العمري منتظرا أكمل التصرفات.
ننتقل إلى التشجيع السليم، لكي لا نسقط في الجانب الآخر لمن يشجع أطفاله على القيام بتصرفات غير سليمة مثل السماح لهم بالخروج في أي وقت للشارع أو الاختلاط بمن هب و دب. و من التشجيع الخاطئ ما يقوم به بعضهم و هم يصفقون لأبنائهم إذا ما رأوا منهم تطفلا أو تطاولا على الآخرين. لأن المقصود من تربية الثقة هو تشجيع المتربي على ما هو مفيد و بطرق صحيحة و بناءة.
الثقة صفة حساسة و تحتاج لمعاملة مدروسة و مرونة واعية.
فكن أنت أيها المعلم و الأم و الأب و الولي كن إيجابيا و حانياً و بانياً. صاحِبِ الزمن و اعلم أن تربيتك هي سيرورة زمنية طويلة، و هي تحتاج لنفس طويل. مع إعطاء الأهمية لفترة الطفولة منذ أن يبدأ الأطفال في التمييز و ذلك ببناء التربية على أسس متينة و صحيحة لكي نتفادى مشاكل إضافية في المستقبل.
فايسبوك:
|
بقلم : خالد الخطروني
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق